لا يجب أن ننسى حتى وإن مر على ذلك 25 سنة
لا يجب أن ننسى بعد ربع قرن من الزمن واحدة من ابشع المجازر التي عرفتها البشرية في تاريخها المعاصر مجزرة صابرا وشاتيلا إحدى ضواحي بيروت
صبرا وشاتيلا مخيم فلسطيني في إحدى ضواحي بيروت حاصرته القوات الصهيونية بدعم من الكتائب اليمينية اللبنانية بقيادة غير المأسوف عليه البشير جميل وقتلت فيه كل من تحرك
جاءت هذه المجزرة في أعقاب الاجتياح الصهيوني لجنوب لبنان ابتداء من يوم 5 جوان 1982
هكذا أرادت إسرائيل آنذاك إحياء ذكرى انتصارها، ذكرى نكستنا
وهكذا انضافت إلى تاريخنا نكسة جديدة في سلسلة النكبات والنكسات التي لحقت بنا في تاريخنا المعاصر – إذا ما اقتصرنا على التاريخ المعاصر فقط - منذ احتلال فرنسا للجزائر سنة 1830
ونكابر
بعض من الذين نجوا من هول هذه المجزرة كتبوا شهادات مثيرة من أشهرها كتاب رشاد أبو شاور " آه يا بيروت "
من هذه الشهادات ، شهادة الأستاذ وليد عوض على مدونته
http://alhnoon37.maktoobblog.com
مشاهد من الموت والدم تتخللها صرخات استغاثة الأطفال والنساء الذين قتلتهم إسرائيل و أعوانها في صبرا وشاتيلا قبل ربع قرن من الزمن.
وقع خطى الجنود المدججين بالسلاح يقترب من المخيمين وهدير الدبابات والطائرات يدب الرعب في أرجائهما ·· دبابات اسرائيلية تحاصر مداخل المخيم وطائرات في الجو تخترق حاجز الصوت ، وطلقات القناصة تصطاد كل شيء يتحرك قبل أن ينقض القتلة في جنح الظلام على الأطفال والنساء والشيوخ ليقطعوا رؤوسهم بالبلطات ، يبقروا بطون الحوامل، ويغتصبوا النساء.
مشاهد من الموت والدم تتخللها صرخات استغاثة الأطفال والنساء الذين لم يرحمهم القتلة الذين أغمدوا فيهم خناجر حقدهم لا لشيئ إلا لأنهم فلسطينيون.
وحوش بشرية ·· قتلة ·· سفاحون ·· لم تثنهم صرخات الأطفال المتعلقين بجلابيب أمهاتهم ، ولا توسلات شيخ كهل ، ولا دموع وصرخات أم عن شهوة القتل.مشاهد من القتل والتنكيل تعجز بلاغة اللغة عن وصفها ، لأنها فوق الوصف ، ومرتكبوها ليسوا من البشر السويين ، بل هم حفنة من القتلة المجرمين ·· كل هذه المشاهد يصورها أحد الناجين من المذبحة بكل انفعالاتها. وشباب آلوا على أنفسهم بذل كل جهد ممكن للدفاع عن الأهل فكتبت لهم الحياة من جديد ليرووا فصول مأساة تتجدد، من بين الركام والأشلاء المتناثرة تطل علينا ذكرى مرور ربع قرن على مجزرة صبرا وشاتيلا .
16\17\18 أيلول 1982 ايام و شهر و عام شهدا ولادتي الثانية ولادة لو خيرت بينها و بين الموت وأنا في ربيعي التاسع عشر لاخترت الموت لهول ما رأيت .. فقد كانت ولادة من رحم مجزرة بشعة هي بحق مأساة القرن ، إنها مجزرة صبرا و شاتيلا.
يمر على المجزرة اليوم أكثر من ربع قرن لكن أحداثها بأدق تفاصيلها مازالت محفورة في الذاكرة .. هدير الدبابات .. أزيز الطائرات و طلقات الرصاص ، حتى و قع خطى جنود الحقد و الكراهية مازالت تضج بالخاطر، و كيف ينقطع صدى ذلك الماضي اللعين و تلك المجزرة البشعة مازالت موصولة بالحاضر ؟
لم تكن المجزرة وليدة الصدفة أو جاءت كردة فعل لحدث معين و إنما جاءت ضمن مخطط مسبق مدروس بدقة ساهمت في إنجاحه الولايات المتحدة التي كانت ترعى المواثيق التي تتعلق بالقضية .فبعد أن عجزت إسرائيل عن صد هجومات المقاومة الفلسطينية الباسلة و استبد بها الوجع وزادت خسائرها تحت ضربات عملياتها النوعية لجأت إلى جميع الوسائل الردعية من قصف بالمدفعية و حصار و تجويع و قطع الماء و الكهرباء عن العاصمة اللبنانية بيروت والمخيمات الفلسطينية فيها ، في هذه الأثناء تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية على رأس المجموعة الدولية وعبر مبعوثها فيليب حبيب لترعى اتفاقا بين العدو الصهيوني و منظمة التحرير الفلسطينية يقضي بانسحاب قوات الثورة الفلسطينية بأسلحتها الخفيفة و تعويضه بقوات متعددة الجنسيات لحماية المخيمات ، فتم ذلك اوخر آب من سنة 1982 .
لكني و رغم كوني كنت عضوا بجيش التحرير التابع للمنظمة إلا أنني فضلت البقاء بالمخيمات مع مجموعة من الشباب ليكتب لمن نجا منا بعد ذلك ان يكون شاهد عيان على مجزرة القرن ويدرك حجم المؤامرة .. المؤامرة التي حيكت بدقة من طرف القوى الفاعلة في المجتمع الدولي لصالح إسرائيل المؤامرة التي ستبقى وصمة عار على جبين هذا العالم الذي يدعي التحضر و يرعى حقوق الإنسان ، و الذي استثنى الإنسان الفلسطيني من حقه في البقاء و العيش بسلام ولو تحت خيام الشتات أو حقه في العودة لوطنه .
فقد كانت مجزرة صببرا و شاتيلا مؤامرة حيكت بدقة و على أعلى المستويات التي انعدم فيها الضمير وغابت عنها الإنسانية .
فور انسحاب قوات الثورة أواخر آب 1982 حلت محلها القوات الدولية ، فانتشرت القوات الإيطالية في محيط مخيم برج البراجنة ، و القوات الفرنسية و الإيطالية في مخيمي صابرا و شاتيلا بينما انتشرت القوات الأمريكية في محيط المطار ، لكن سرعان ما انسحبت هذه القوات بصورة مفاجئة بدعوى سيطرة الهدوء على المنطقة و استقرار الوضع . لكن هذا المبرر لم يجد له طريقا لقناعاتنا حيث استبد بنا الشك و القلق نظرا للفراغ الأمني الذي تركه انسحابها .وقد اتضح فيما بعد بان هذا الانسحاب شكل بداية تنفيذ خطة القتل و الإبادة في حق شعبنا في المخيمات على الساحة اللبنانية حيث قتل ما يزيد عن 3500 شخص داخل المخيمات و عدد كبير آخر ممن سيقوا خارجها ليلقوا حتفهم بأبشع الطرق و يردموا داخل آبار جافة على يد قوات الكتائب تحت رعاية الجيش الصهيوني .
البداية تمثلت بمحاصرة المخيمين صبرا وشاتيلا ثم إغلاق جميع المنافذ حتى لا يستطيع أحد أن يخرج منهما من جديد و ترك المنافذ مفتوحة للداخل الذي سيصير مفقودا ، ثم بدا القصف و إمطار اللاجئين برصاصات الغدر و قذف الرعب في قلوبهم ،و ما أن ترامت لمسامعنا أصوات الطلقات النارية حتى هببت وبعض رفاقي للذود عن المخيم و صد العدوان عنه ، لكن الهجوم الكاسح و تساقط الضحايا و استغاثات الجرحى و المرعوبين حولنا إلى رجال إنقاذ ودفاع في آن ، إنقاذ ما يمكن إنقاذه و إخراج من كتبت لهم النجاة خارج المخيمين و إسعاف الجرحى . و التصدي للفاشست ومنع توغلهم اكثر بين أزقة المخيمين.
بعد مرور يومين كاملين على بدء المجزرة كان السكون قد خيم ورهبة الفاجعة سيدة الموقف ، وأمام ذلك بدأنا بعد ظهر يوم السبت 18\91982 لننقل بأيدينا جثث أحبتنا و من كانوا جيراننا و أصدقائنا وهي مقتولة بأبشع الطرق و بوحشية لا مثيل لها : نساء حوامل بقرت بطونهن .. وأطفال هشمت رؤوسهم بالساطور و البلطات و الجازور و شيوخ وشباب قطعت أوصالهم .. أمام هذا المشهد الرهيب سكنت نفسي قناعة لا يمكن أن تزول من خاطري إلا بزوال الاحتلال و عودة أهلنا إلى ديارهم وإن لا رهان على أي ميثاق ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية و لا حياة لفلسطيني أينما كان دون سلاح يدافع به عن نفسه و أهم من هذا وذاك لا غنى لنا عن وحدتنا التي تعرضت للآسف هذه الأيام للتمزق، لأننا كلنا أبناء تلك المأساة التي مازال جرحها مفتوحا في جسدنا المنهك و اتحادنا هو الوحيد الذي سيضمد جرحنا النازف .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire